إن الجبرية محقون في قولهم: إن الله خالق أفعال العباد ومخطئون في قولهم: إن العبد ليس بفاعل لأفعاله في الحقيقة وإنما الفاعل هو الله.
والقدرية: محقون في إثباتهم قدرة العبد على أفعاله، وفعله لها ومسئوليته عنها ومخطئون في قولهم: إن العبد خالق أفعاله، وإن الله ليس بخالق لأفعال العبيد، فأثبتوا خالقين مع الله (?).
وأهل السنة: قالوا: بما مع الطائفتين من حق فقالوا: الله خالق أفعال العباد على الحقيقة؛ لأن العباد خلق له وأفعال المخلوقين مخلوقة، لقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكمْ وَما تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " (?).
وقالوا: العبد فاعل لفعله حقيقة، وقادر عليه بإقدار الله له عليه، والله أثبت للعبيد فعلاً فقال: {وَمَا تَفْعَلوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه} [البقرة: 197] وقال: {فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كاَنُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36] ونحو ذلك فلم ينفوا فعل العبد أصلاً كما قالت الجبرية، ولم يجعلوا العباد خالقين لأفعالهم من دون الله عز وجل كما قالت القدرية.
فهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، وعملوا بجميع النصوص الواردة في الباب، ولم يضربوا بعضها ببعض, فإن الجبرية عملوا بالنصوص الدالة على أنه خالق كل شيء وأن كل شيء بقدر الله وقضائه ومشيئته، وأغفلوا ما دل منها على أن للعبد فعلاً وقدرة وإرادة.
والقدرية أخذوا بالنصوص الدالة على أن العبد هو الفاعل لفعله على الحقيقة وأن له قدرة وإرادة ومشيئة، واختيارًا، وأهملوا ما دل منها على خلق الله لأفعال عبيده، وعموم قدرته عليها، ومشيئته لها، والحق هو إعمال جميع النصوص كل فيما دل عليه، وهو ما هُدِي له أهل السنة، فليس في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -