المبحث الثاني موقف النصارى

إذا كان اليهود غلب عليهم التفريط والتقصير والجفاء في حق أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مع غلوهم في بعضهم كالعزير عليه السلام فإن النصارى قد ذهبوا إلى أقصى الطرف المعاكس فغلب عليهم الغلو والإفراط ولا سيما في نبي الله عيسى عليه السلام، على أنهم فرطوا وقصروا أيضًا في حق الله؛ بل وفي حق عيسى عليه السلام أيضًا، ويمكن إجمال مواقفهم في هذا الباب في الأمور التالية:

الأمر الأول: أنهم لم يؤمنوا بجميع الرسل والأنبياء، بل فرقوا بينهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وغلوا في بعض، وهم معنيون أيضًا بقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150 - 151] وقدمنا إيراد هذه الآية في الكلام على موقف اليهود، وذكرنا ما قاله الإمام ابن جرير في تفسيرها، وفيه أن النصارى ممن آمن ببعض الأنبياء وكفر ببعض، حيث آمنوا بعيسى وموسى بزعمهم وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

الأمر الثاني: أنهم غلوا وأفرطوا في نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، ورفعوه فوق المكانة التي جعله الله فيها، وأنزلوه فوق المنزلة التي أنزله الله إياها.

فلم يؤمنوا به عبدًا لله ورسولاً نبيًّا، وإنما جعلوه هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة يشكلون منها الإله، وعبدوه من دون الله عز وجل وأضافوا إليه من الأفعال والأعمال ما لا يصح إضافته ونسبته إلا إلى الله عز وجل، فكانت عقيدتهم فيه التي أجمعوا عليها بعد (مجمع نيقية) (?). وسموها بـ (الإمامة) على النحو التالي:

الإيمان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015