وغرَّ الدُمُسْتُقَ قولُ الوُشا ... ةِ إنّ عليّاً ثقيلٌ وَصِبْ
فجعل الأمراء يوشَى بهم، وإنما الوشاية السعاية ونحوها، ومن شأن الممدوح أن يفضل على عدوّه، ويجري العدوّ مجرى بعض أصحابه؛ لا سيما إذا كان الممدوح مثل ابن حمدان والعدوّ الدُمستُق، وليس بسائغ في اللغة أن يقال: وشي فلان بالسلطان الى رعيته، ولو قيل ذلك في أميرين لكان قصّر بالموشى به لا محالة؛ وإنما المعروف الصحيح أن يوشَى بالأصغر الى الأكبر، فإن توسع في ذلك فبالنظير.
قال المحتج: أصل الوشاية استخراج الحديث بالمسئلة والتلطّف، كما يستوشي الرجل جرْي الفرس بتحريكه وغمزِه بعَقبيه؛ فقد يجوز أن يجري هذه الكلمة على أصلها، ويجعل هؤلاء وشاة لما أتوه بهذا الخبر: والكلامُ هو الأول عندي والعذرُ فيه يضعف، وإنما أراد بالوُشاة الذين بعثوه على قصْد الثغور، فإنما وشوْا بأهلها لما دلّوه على ضعفِهم واشتغال ناصرهم.
ومن هذا الضّرب قوله:
ما ينقُص الموت نفْساً من نفوسِهمُ ... إلا وفي يدِه من نتنِها عودُ
قالوا: والعودُ لا يشتمّ، ولو اشتمّ لم يحظ من ريحه بطائل، وإنما يظهر عرْفه إذا حللت النار أجزاءه ولطفتها، فانبثّت في الهواء ودخلت في الخياشيم.
قال القاضي: وليس في المعنى عندي ما ذكره، ولا ذهب الرجل حيث ظنّوا، وإنما أراد أنه لا يباشرها إذا قبضها، ولكن يقبِضها وفي يده عودٌ يتناولها بطرفه، كما يريد الإنسان أخذَ الشيء يستقذره، فيصون عنه يده، ويتناوله بحاجز، ولم يرِدْ عود الطيب. وإنما أراد عوداً من العيدان أيها كانت.
وأمثال هذه الاعتراضات كثيرة واستقصاء جميعها بابٌ من التطويل، وإنما