عليّ نحْتُ القوافي من مقاطِعها ... وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ

مأخوذ من قول أبي تمام:

لا يدْهمنّك من دهمائهم نفر ... فإنّ جلَّهم بل كلهم بقرُ

هذا مع اتساعه في الدعاوى، وتحققه عند نفسه بنَقْد الشعر، وادعائه أن أحداً لم يسبقه الى هذا العلم، وأنه طريق لم تُسلَك قبلَه، وباب لم يزلْ مستغلقاً حتى افتتحه؛ كأنْ لم يعلم أن العقلاء منذ كانوا يسمّون البليدَ الغبي حماراً أو بقرة.

وإذا استْبعدوا ذهن مخاطَب واستخفوا فطنه منازع قالوا: هذا ثور وتيْس؛ حتى شاع ذلك على أفواه العامة وألْسن النّساء والصبيان. وكيف يُدّعى في هذا السَّرق! ومن جعل بعضَ الناس أولى به من بعض وهم فيه شرَعٌ واحد! وأي ذهن يغيب عنه ذلك حتى يفتقر الى الاعتماد فيه على غيره والاستمداد ممّن تقدم قبله! وإنما يصحّ في مثل هذا الأخذ إذا أضيفتْ إليه صنعةُ لفظ، أو وُصِل بزيادة معنى، كبيت البحتري فإنّه لم يرض أن يقول: القوم بقر وبهائم؛ كما قال أبو تمام حتى قال:

عليّ نحتُ القوافي من مقاطعها

أي عليّ أن أجيد وأبدِع وأتأنّق في شعري، وما عليّ إفهام البقر؛ فهذه زيادة يصح فيها نقد وسرِقة، وأما بيتُ أبو الطيب فليس إلا صريح التمثيل المتداول الذي عرفناك انتفاء هذه الدعوى عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015