سواء أدركتها عقول البعض أو لم تدركها، وعدم علم البعض بذلك, أو عدم ثبوت ذلك عند البعض، أو رفض البعض لما جاء به الرسول، كل ذلك لا يلغي أن النبوة ثابتة في نفسها، ولا يلغي أن ما جاء به الرسول حق في نفسه.

فالعقل لم يعط الشرع صفة مدح لم تكن ثابتة له، ولم ينف عنه صفة ذم كانت ثابتة له كذلك, ولم يضف إليه من صفات المدح ما ليس فيه، ولم ينف عنه من الصفات ما ليس كذلك. وإنما علم العقل بالشرع على ما هو عليه, على ما نزل به الوحي، وعلى ما أخبر به الرسول، علم العقل من ذلك ما علم وجهل منه ما جهل.

والدعاوى العريضة التي يقول بها المخالفون من أن العقل أصل في إثبات الشرع، أو أن العقل أساس الشرع أو غير ذلك من الأقوال فكلها تحتاج إلى تمحيص؛ لأن علاقة العقل بها هو موجود ليست علاقة إثبات للوجود أو منع له ونفي عنه، وإنما هي علاقة علم بالموجود على ما هو عليه في الوجود الخارجي، فالعقل لا يمنح وجودا للمعدوم، ولا يمنع عدما عن الموجود، حتى يقال: إن العقل أصل في إثبات الشرع، أو إن العقل أساس الشرع، ذلك أن العقل يعلم وجود الأشياء الموجودة بالفعل على ما هي عليه في الوجود، ولا يعلم وجود المعدوم إلا على سبيل التخيل، فكيف يقال: العقل أصل أو أساس للشرع؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015