لا تتعارض, وإنما يتعارض منها ما هو ظني الدلالة أو ظني الثبوت، وإذا قال البعض: إن معه دليلين -عقليا ونقليا- وظنهما متعارضين ينظر فيهما, أيهما كان قطعيا قدم وأخذ به، ويتأخر الظني ويرفض، ليس لكونه عقليا ولا شرعيا ولكن لكونه ظنيا في دلالته، والظني لا يعارض القطعي، وينبغي أن ننبه هنا إلى أن كثيرا مما يسميه الناس دلائل عقلية أو سمعية يعارض بعضها بعضا ليس كثير منها يرقى إلى مستوى البرهان، وهذا متفق عليه؛ لأنه قد لا يكون دليلا في نفس الأمر وإنما هو بحسب من يظنه كذلك.
5- إن دلالة ما جاء به الشرع في باب الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته واليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار ... إلخ, وهي مسائل الخلاف الجوهرية بين المؤمنين بالوحي ومعارضيهم قديما لم يتنازعوا في دلالته على ما دل عليه من ذلك, والمتنازعون في ذلك لم يتنازعوا في أن السمع دل على ذلك أيضا، وإنما تنازعوا هل عارضه من الدلائل العقلية ما يدفع موجبه أم لا؟
وإذا ظهر معارض له, فأي الدلالتين تكون قطعية والأخرى تكون ظنية؟