وينبغي أن يبدأ توظيف العقل في عالم الشهادة من هذا المنطلق القرآني، ومن خلال تحديد القرآن لوظيفته في هذا الكون: لقد ندبه للنهوض بها وأتمنه عليها، وطلب منه إعمار الكون تبعا لهذا المنهج باكتشاف القوانين، والتعرف على العلاقات السببية الكامنة في الأشياء؛ ليسخر الكون كله لخدمة الإنسان وتحقيق مصالحه، وليحقق في ذلك معنى الاستخلاف عن الله في الأرض.
ومن جانب آخر, فإن النكوص عن أداء هذه الوظيفة إهدار لطاقة العقل وضياع لرسالة الإنسان، وجريمة في حق الدين والدنيا معا، وعلاقة العقل بعالم الشهادة على هذا النحو السابق تقوم على أسس معينة يعتبرها القرآن أركانا لتكليف العقل بهذه الوظيفة، بحيث إذا تخلف ركن منها سقط عن الإنسان ما يقابله من التكاليف الشرعية.
1- إن العقل يملك القدرة المؤهلة له للتعرف على هذا العالم واكتشاف قوانينه وتحديد العلاقات السببية بين أنواعه؛ ليجعل منه مملكته التي استخلفه الله عليها.
2- إن الله تعالى قد زوّد الإنسان بالحواس الخمس، وجعلها جنودا للعقل يتعرف بها على كل محسوس، وفي نفس الوقت هي مناط مسئولية الإنسان أمام الله يوم القيامة، إذا أساء استعمالها أو أهمل توظيفها: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ