موهوبا منه. فصلاح القلب وحقه الذي خلق من أجله هو أن يقبل الأشياء, لا أقول يعلمها فقط، فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلا له بل غافلا عنه، والذي يعقل الشيء هو الذي يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه, فيكون في وقت الحاجة إليه غنيا به, فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره، وذلك هو الذي أوتي الحكمة. وهذا هو مجال تفاوت الناس علما وعملا، فمن رأى الأشياء أو استمع إلى الأقوال بغير قلب واعٍ لما يرى, أو سمع لم يستفد شيئا مما رأى أو سمع، فصار مدار الأمر كله على القلب.
وقد أكد القرآن هذه القضية في قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] والقلب لا يقبل من الأمور إلا ما كان صوابا، ولا يقبل من الاعتقاد إلا ما كان حقا. وهذه سنة الله في خلقه للقلب، فإذا لم يوضع فيه الاعتقاد الحق فإنه لا يقبل غيره ولا يطمئن إليه، ولا يزال القلب يتقلب في أودية الأفكار بين الحق منها والباطل؛ لأنه لا يترك خاليا فارغا أبدا, بل لا بد له من الاشتغال بالفكر والنظر، ولا تنكشف للإنسان هذه الأحوال إلا بعد رجوعه إلى الحق والصواب في القول والاعتقاد، فيتبين له حينئذ أن القلب كان هائما في أودية الفكر بلا حاصل، ولو ترك القلب وحاله التي فطر عليها لم يقبل من الاعتقاد إلا ما هو حق، ولا من الأقوال إلا ما هو صواب وتلك فطرة الله في خلقه للقلب.