فالوظيفة الحسية لهذه الأدوات قد تكون موجودة ومتحققة، لكن الغاية والهدف من الوظيفة الحسية مفقودة، وهي عملية التعقل لما يرى وما يسمع. فصارت الحاسة في حكم المفقودة تماما لغياب الهدف وفوات الغاية، فهذا كله وغيره كثير ينبهنا إلى أن منطق السلف في مفهوم العقل يختلف تماما عن مفهوم الفلاسفة. يقول ابن تيمية: والعقل في كتاب الله وسنة رسوله وكلام الصحابة والتابعين وسائر أئمة المسلمين هو أمر يقوم بالعاقل سواء سميناه عرضا أو صفة, فليس هو عينا قائمة بنفسها سواء سمي جوهرا أو جسما, وإنما يوجد التعبير بالعقل عن الذات العاقلة. فهو صفة تقوم بالعاقل، وإذا قيل: فلان العاقل أو صاحب عقل فإنما يراد به امتلاكه العلوم أو الخبرة التي يميز بها بين الصواب والخطأ في الأقوال والحق والباطل في الاعتقاد, وهذا ما قصد إليه الإمام أحمد في تعبيره عن العقل بالغريزة الثابتة في الإنسان، فكما أن في العين قوة بها يبصر الإنسان فكذلك الإنسان يمتلك هذه الغريزة التي يتحقق بها العقل والفهم والتدبر، وهي ليست جوهرا ولا حالة بعضو معين في الجسم ولكن يتعاون في أدائها جميع الملكات المعرفية في الإنسان الظاهر منها والباطن.

وقد يطلق العقل ويراد به العلوم التي حصلناها بهذه الغريزة. وبهذا المعنى فإنه يكون معناه صفة العلم المتحصلة والقائمة بالذات العالمة، ويميل شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن العقل كوظيفة يتعلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015