وبراهينه، فلا حجة لأحد في رفض الوحي أو التنكر له إلا الاستعلاء والمكابرة, كما أخبر الله رسوله الكريم بقوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] . وسوف نوضح فيما يأتي أن الوحي ضرورة عقلية ومعرفية كما هو ضرورة اجتماعية ونفسية. والذين ينكرون الوحي الإلهي إلى رسل الله وأنبيائه عليهم أن يراجعوا القرآن الكريم باعتباره آخر وحي نزل من السماء, ويتأملوا ما جاء فيه وما أخبر عنه وما تنبأ به، وما أشار إليه من آيات كونية في الأنفس وفي الآفاق، ويسألوا أنفسهم: من أين لرجل أمي ولد ونشأ في جزيرة العرب بمعزل عن جميع الروافد الثقافية أن يعلم ذلك؟ وهي أمور لم يكن لأهل جزيرة العرب علم بها من قبل، ومنها أمور لم يكن للبشرية كلها علم بها قبل نزول الوحي بها، من أين له -صلى الله عليه وسلم- العلم بما قصه القرآن عليه من أحوال الأمم الماضية ومن أحوال الأنبياء السابقين عليه مع أقوامهم؟ إن القرآن الكريم نفسه يخبرنا بأن الرسول لم يعاصر هذه الأحداث ولم يشاهد قصص القرآن ولم يحضرها, فما مصدر علمه بها كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} "أي: موسى -عليه السلام" حين ناداه ربه بالوادي المقدس طوى، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] .