وهذا هو الدرس المستفاد مما قصّه القرآن علينا من تاريخ الأنبياء: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111] . إنها أحد ملامح الوعي بالتاريخ، تاريخ الصراع بين الحق والباطل، تاريخ العلاقة بين أصحاب المبادئ وأهل الأهواء. ولقد علمنا القرآن الكريم أنه ليس هناك أحد {أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] .

وإذا كان تاريخ العلاقة بين الوحي والإنسان فيما مضى، قد بين لنا أن أهم أسباب المعاندة للوحي تركزت في اتباع الأهواء ومحبة العلو والاستكبار التي تفرز لنا عبادة السلطة, فقد انضم إلى هذه الأسباب في عصرنا الحاضر أسباب أخرى أفرزتها طبيعة الاحتكاك بين الحضارات المختلفة، وساعد في بروزها عوامل التأثير والتأثر، عوامل تأثير الحضارات المنتصرة في الحضارات المنهارة, فزكاها محبة تقليد الشعوب المهزومة عسكريا ونفسيا للشعوب المنتصرة، وهذه ظاهرة تاريخية تركت بصماتها على الحضارة الإنسانية في تاريخها الطويل.

ففي العصر العباسي -خاصة بعد حركة الترجمة- ظهر في تاريخ الفكر الإسلامي قضية التوفيق بين الفلسفة اليونانية الوافدة والدين، أو بين العقل والدين، أو بين الوحي والعقل، وكان أبرز رواد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015