ثانيا: من الذي قال: إن التجربة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات صحة الرأي أو خطئه؛ إن هناك كثيرا من المعارف اليقينية لا تخضع في ذاتها للتجربة, ولا يملك أحد إنكارها.
نعم, إن التجربة مسلك علمي صحيح لا يشك أحد في نتائجها إذا استوفت شروطها العلمية، لكن التجربة ذاتها لها عالمها الخاص الذي يخضع لها وتعمل في دائرته وحدوده، لكن التجربة لا تحمل معها دليلا على أن كل ما لم يجرب من المعارف لا يكون صحيحا، إنها لا تنفي وجود الأشياء التي لم نجربها كما لا تنفي قياس أشياء لم نشاهدها على أشياء شاهدناها تجريبيا, وهذا في حد ذاته كافٍ للحكم عليه بما شاهدناه في نظيره ومثيله. وهذا هو القياس العلمي وهو كالتجربة المباشرة تماما في إفادة اليقين، والتجربة لا تعتبر حقيقة علمية لمجرد أننا شاهدناها، والقياس عليها لا يعتبر باطلا لمجرد أنه قياس. وقد توصل العلم إلى اكتشاف كثير من الوسائل المعرفية التي قربت إلى الأذهان إمكان الوحي عقلا كوسيلة من وسائل المعرفة، ولعل ما أورده بعض العلماء المهتمين بهذه القضية من أمثلة الاختراعات الحديثة, والكشوف العلمية ما يبرهن على صحة هذه القضية1