ذلك تخرج عن الحصر:

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الخالق

فإن عين الإنسان لا تقع على شيء فيما حوله إلا هو ناطق بما لله فيه من حكمة مرعية وغاية مقصودة. ولقد عبر القدماء من مفكري الإسلام عن هذا الأمر الأهم في عبارات واضحة وأدلة برهانية، فلقد أشار إلى ذلك أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: وجعل جسم الإنسان نفسه آية دالة على ما لله من قصد وغاية في خلق أعضائه على هذا النحو الذي تتعاون فيه وتتكامل لأداء وظيفة الإنسان، فخلق العين في مقدمة الرأس وليس في المؤخرة، وخلق السمع والشم والذوق التي هي وسائل الإدراك على هذا النحو التكاملي, مما يدل على أن هناك فاعلا حكيما وأن له غاية وقصدا فيما خلق، مما ينفي القول بالعبث أو المصادفة، قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20، 21] .

ولقد أشار ابن رشد إلى هذا المعنى وسماه دليل العناية, واستدل على ذلك بآيات الذكر الحكيم. ولا شك أن العناية بالمخلوق تتضمن القصد والحكمة للخالق مما ينتفي معه القول بالعبثية: إن العقل لم يجد في مذاهب الفلاسفة برد اليقين الذي أشار إليه أبو حامد الغزالي, بل زادته آراؤهم حيرة واضطرابا، هذا من جانب الفلسفة والفلاسفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015