وكما خلق الله الإنسان على هذا النحو, فقد وضعه أمام مسئوليته المباشرة عن حسن توظيف أدوات المعرفة وتحصيل المطلوب منها, فقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] .
ومن المفيد هنا أن نلاحظ عند قراءة الآيتين السابقتين من سورة النحل وسورة الإسراء نجد أن أدوات المعرفة التي ذكرت فيهما جاءت بنفس الترتيب: "السمع. البصر. الفؤاد" وتكرر ذكر هذه الأدوات بنفس الترتيب في القرآن الكريم كثيرا.
وحين نلاحظ وظائف هذه الأدوات ودورها في تحصيل المعرفة نجد أن حاستي السمع والبصر تتعلق وظائفهما بعالم الشهادة فقط، فأنت تسمع وتبصر ما هو موجود متعين في عالم الشهادة. أما الفؤاد فيتعدى هذا العالم الحسي إلى تحصيل المعارف المجردة عن الحواس، إلى معرفة القوانين والعلاقات الكامنة بين الأشياء المحسوسة، إلى تحصيل المعارف الكلية، إلى معرفة الخصائص والطبائع. أما حاستا السمع والبصر فيقتصر دورهما على تحصيل المعارف الجزئية الحسية الآنية اللحظية فقط، أما الفؤاد فيتجاوز في وظيفته كل المعارف الجزئية إلى المعارف الكلية كما يتجاوز المعارف الآنية اللحظية إلى الماضي والمستقبل, ويتعرف على الماضي كما يتصور المستقبل ويتخيله. وبذلك يستطيع الإنسان أن