منها على ما استطاع فهمه وإدراكه، وما عجز عنه البعض فإن البعض الآخر قد يعلمه، ويأتي الوحي كمعلم للعقل يأخذ بيده ليعرفه ما غاب عنه, ويعطيه الإجابة المطمئنة للنفس والقلب معا عن علة الوجود، ومقاصد الخالق منه، وغايته فيه؛ لأن الإجابة عن السؤال المتعلق بالعلل الغائية للوجود ليست من أهداف العلم ولا من مقاصده؛ لأنه يكتفي بالبحث في الظواهر وأسبابها وتوظيفها. أما الإجابة عن علة الوجود وغايته فلا علاقة للعلم بها؛ لأنها من خصائص الوحي ومقاصده, وهي التي تنفي القول بالعبثية عن هذا العالم، ولا مفر للعقل البشري عنها إذا هو لم يتلق إجابة الوحي عن هذا السؤال: لماذا؟
وكم ضلت عقول في هذا المقام وذلت أفهام, وتواردت شبهات ولم تجد العقول أمانا ولا النفوس اطمئنانا إلا في تعاليم الوحي, قال تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] .
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] .
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان: 38، 39] .