الوحي المحمدي (صفحة 99)

منهما، ونشر التوحيد والحق والعدل فيهما، ودخول الأمم فى دين الله أفواجا مختارين اهتداء بهم، وعنايتهم بتعلم العربية بالتبع لعنايتهم بالدين، حتى فتحوا- هم وتلاميذهم- نصف كرة الأرض فى زهاء نصف قرن، وكانوا مضرب المثل فى الرحمة والعدل (?)، وموضع الحيرة لعلماء الاجتماع وقواد الحرب (?). وأنى يبلغ الشعب الذى وصف ربه فى كتابه بالشعب المتمرد الصلب الرقبة (?) درجة الذين وصفهم رب العالمين بقوله تعالى:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً [الفتح: 29].

فهذا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين الذى نشأ وشبّ على الشدة والقسوة فى الجاهلية حتى قيل: إنه وأد بنتا له، صار بالإسلام من أرحم الرحماء بالناس، حتى أنه يطبخ الطعام هو وزوجته ليلا لامرأة فقيرة فى المخاض وبعلها حاضر لا يساعدهما، ولم يكن يعلم أنه أمير المؤمنين.

لا جرم أن سبب هذا كلّه تأثير القرآن بهذا الأسلوب الذى نراه فى المصحف، فقد كان النبى صلّى الله عليه وسلم يجاهد به الكافرين كما أمره الله بقوله تعالى: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً [الفرقان: 52]، ثم كان به يربى المؤمنين ويزكيهم. كما قال الله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159]، وبهدايته والتأسى بمبلغه صلّى الله عليه وسلم ربوا الأمم وهذّبوها، وقلّما يقرأه أحد كما كانوا يقرءون، إلا ويهتدى به كما كانوا يهتدون على تفاوت فى الاستعداد النفسى واللغوى واختلاف الزمان لا يخفى.

المسلمون أرحم البشر بهداية القرآن:

وكيف لا يكون المؤمنون بالقرآن ارحم النّاس وقد امتن الله عليهم فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]؟، وقد قلنا فى الكلام على الرحمة من هذه المزايا الأربع للقرآن من تفسير المنار (جز 11) ما نصه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015