الوحي المحمدي (صفحة 98)

اعتبار الموازنة بين تأثير القرآن فى العرب والتوراة فى بنى إسرائيل

واعتبر هذا ببنى إسرائيل سلالة النبيين؛ فإن كان ما رأوه بمصر من آيات موسى عليه السلام، ثم ما رأوه فى برية سيناء ومدة التيه فيها، ومن عناية الله تعالى بهم، ومن سماعهم كلام الله تعالى بآذانهم فى لهيب النار المشتعلة على ما ترويه توراتهم- ولم يثبت عندنا التكليم إلا لنبيّهم- لم يتغير بذلك كله ما كان بأنفسهم من تأثير الوثنية المصرية وخرافاتها الراسخة فى قلوبهم، ولا من تأثير السياسة الفرعونية المستبدة فى أخلاقهم، فقد عذّبوا موسى عذابا نكرا، وعاندوه فى كل ما كان يأمرهم به، وعبدوا صنم العجل الذهبى فى أثناء مناجاته لربه. حنينا إلى ما كان من عبادة مستعبديهم الفرعونيين للعجل (أبيس) حتى وصفهم الله فى التوراة بالشعب الصلب الرقبة، وهو كناية عن البلادة والعناد، وعصل الطباع (?) المانع من الانقياد، وظل ذلك كذلك إلى أن باد ذلك الجيل الفاسد بعد أربعين سنة، ونشأ فيهم جيل جديد ممن كانوا أطفالا عند الخروج من مصر وممن ولد فى التيه، أمكن أن يعقلوا التوحيد والشريعة، وأن يعملوا بها ويجاهدوا فى سبيلها، وإنما كان ذلك بعد موت موسى عليه السلام.

فأين بنو إسرائيل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم الذين تربّوا بسماع القرآن وترتيله وتدبره، فى رسوخهم فى الإيمان وصبرهم على أذى المشركين واضطهادهم إياها ليفتنوهم عن دينهم، ثم مجاهدتهم لهم عند الإمكان بعد الهجرة، ومجاهدة أعوانهم من أهل الكتاب (اليهود) وتطهيرهم الحجاز وسائر جزيرة العرب من كفر الفريقين فى عهده صلّى الله عليه وسلم، وقد كانت مدّة البعثة المحمدية كلّها عشرين سنة أى نصف مدة التيه، وكان ذهب نصفها فى الدعوة وتبليغ الدين للأفراد بمكة والنصف الآخر هو الذى تم فيه الانقلاب العربى من تشريع وتنفيذ وجهاد وفتح وتأسيس.

ثم تأمل ما كان من تدفقهم أنفسهم كالسيل الآتى (?) على الأقطار من نواحى الجزيرة كلّها، والظهور على ملكى قيصر وكسرى أعظم ملوك الأرض، وإزالة الشرك والظلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015