لو أن عقائد الإسلام المنزلة فى القرآن من الإيمان بالله وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من الحساب والجزاء، ودار الثواب ودار العقاب. جمعت مرتبة فى ثلاث سور أو أربع أو خمس مثلا ككتب العقائد المدونة.
ولو أن عباداته من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والدعاء والأذكار وضع كل منها فى بعض سور أيضا مبوّبة مفصّلة ككتب الفقه المصنفة.
ولو أنّ آدابه وحكمه وفضائله الواجبة والمندوبة، وما يقابلها من الرذائل والأعمال المحرمة والمكروهة أفردت هى وما تقتضيه من الترغيب والترهيب من المواعظ والنذر والأمثال، الباعثة لشعورى الخوف والرجاء. فصلت فى عشر سور أو أكثر ككتب الأخلاق والآداب المؤلفة.
ولو أن قواعده التشريعية، وأحكامه الشخصية والسياسية والحربية والمالية والمدنية وحدوده وعقوباته التأديبية، رتبت فى عدة سور خاصة بها كأسفار القوانين الوضعية.
ثم لو أن قصص النبيين والمرسلين وما فيها من العبر والمواعظ والسنن الإلهية سردت فى سورها مرتبة كدواوين التاريخ.
لو أن كل ما ذكر وما لم يذكر من مقاصد القرآن التى أراد الله بها إصلاح شئون البشر جمع كل نوع منها وحده كترتيب أسفار التوراة التاريخى التى لا يعلم أحد مرتبها، أو كتب العلم والفقه والقوانين؛ لفقد القرآن بذلك أعظم مزايا هدايته المقصودة بالقصد الأول من التشريع وحكمة التنزيل، وهو التعبّد به واستفادة كل حافظ للكثير أو للقليل من سوره- حتى القصيرة منها- كثيرا من مسائل الإيمان والفضائل والأحكام والحكم المثبتة فى جميع السور، لأنّ السورة الواحدة لا تحوى فى هذا الترتيب المفروض إلا مقصدا واحدا من تلك المقاصد، وقد يكون أحكام الطّلاق أو الحيض. فمن لم يحفظ إلا سورة طويلة فى موضوع واحد يتعبّد بها وحدها، فلا شكّ أنه يملّها.