فى الأسفار، ولا مما وصفوا من أفكاره فى الغار، فليراجع ترتيب نزول السور فى كتاب الإتقان من شاء.
(الوجه التاسع): إن هذه المعلومات المحمدية التى تصورها هؤلاء المحللون لمسألة الوحى قليلة المواد ضيقة النطاق عن أن تكون مصدرا لوحى القرآن.
وإن القرآن لأعلى وأوسع وأكمل من كل ما كان يعرفه مثل بحيرا، ونسطور، وكل نصارى الشام ونصارى الأرض ويهودها. دع الأعراب الذين كان يمرّ بهم النبى صلّى الله عليه وسلم بالطريق إلى الشام أو حضرهم.
وأن القرآن نزل مصدقا لكتب أهل الكتاب من حيث كونها فى الأصل من وحى الله إلى موسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم، ونزل أيضا مهيمنا عليها؛ أى: رقيبا وحاكما كما نصت عليه الآية (48) من سورة المائدة ومما حكم به على أهلها من اليهود والنصارى أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب «1»، أى: لا كله ونسوا حظا آخر منه وأنهم حرفوا كلمه عن مواضعه «2»، وبين كثيرا من المسائل الكبرى مما خالفوا واختلفوا فيه من العقائد والأحكام والأخبار «3»، ومثل هذه الأحكام العليا عليهم، لا يمكن أن تكون مستمدة من أفراد من الرهبان أو غير الرهبان، أفاضوها على محمد فى رحلته التجارية إلى الشام. سواء أكان عند بعضهم بقية من التوحيد الموسوي والعيسوي الذى كان يقول به آريوس وأتباعه أم لا؟
وسواء أكان لدى بعضهم بقية من الأناجيل التى حكمت الكنيسة الرسمية بعد قانونيتها (أبو كريف) كإنجيل طفولة المسيح وإنجيل برنابا أم لا؟ فمحمد لم يعقد فى الشام ولا فى مكة مجمعا مسيحيا كمجامع الكنيسة للترجيح بين الأناجيل والمذاهب المسيحية ويحكم بصحة بعضها دون بعض.
إنّ وقوع مثل هذا منه فى تلك الرحلة مما يعلم واضعو هذه الأخبار ببداهة العقل مع عدم النقل أنه محال عادة، وعلى فرض وقوعه يقال: كيف يمكن أن يحكم بين تلك الأناجيل وتلك المذاهب برأيه فى تلك الخلسة التجارية للنظر فيها ويأمن على حكمه الخطأ؟
وقد صحّ عنه أنه قال لأصحابه فى شأن أهل الكتاب: «لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم «4»»،