فصادف مساعدة من الحكومة، واستعدادا من الأمة للخروج من الذلّ الذى كانت فيه، وكان التحمس الذى حركته سببا للحملة الصادقة على العدو وخذلاته. وما أسهل حماسة أهل فرنسا بمثل هذه المؤثرات وبما هو أضعف منها، فإن نابليون الأول كان يسوقهم إلى الموت مختارين بكلمة شعرية يقولها ككلمته المشهورة عند الأهرام.
وأذكّر السائل الفطن بأنّه لم يوافق الصواب فى إبعاد الفتاة عن السياسة ومذاهبها فقد جاء فى ترجمتها من دائرة المعارف العربية (للبستانى) ما نصه:
«كانت متعودة الشغل خارج البيت كرعى المواشى وركوب الخيل إلى العين ومنها إلى البيت، وكان الناس فى جوار دومرى (أى بلدها) متمسكين بالخرافات ويميلون إلى حزب أورليان فى الانقسامات التى مزقت مملكة فرنسا، وكانت «جان دارك» تشترك فى الهياج السياسى والحماسة الدينية، وكانت كثيرة التخيل والورع، تحب أن تتأمل فى قصص العذراء وعلى الأكثر فى نبوة كانت شائعة فى ذلك الوقت، وهى أن إحدى العذارى ستخلص فرنسا من أعدائها، ولما كان عمرها 13 سنة كانت تعتقد بالظهورات الفائقة الطبيعية وتتكلم عن أصوات كانت تسمعها ورؤى كانت تراها، ثم بعد ذلك ببضع سنين خيل لها أنها قد دعيت لتخلص بلادها وتتوج ملكها، ثم وقع البرغنيور تعديا على القرية التى ولدت فيها، فقوى ذلك اعتقادها بصحة ما خيل لها».
ثم ذكر بعد ذاك توسله إلى الحكام وتعيينها قائدة لجيش ملكها، وهجومها بعشرة آلاف جندى ضباطهم ملكيون على عسكر الإنكليز الذين كانوا يحاصرون أورليان، وأنها دفعتهم عنها حتى رفعوا الحصار فى مدة أسبوع، وذلك سنة 1429، ثم ذكر أنها بعد ذلك زالت أخيلتها الحماسية، ولذلك هوجمت فى السنة التالية 1430 فانكسرت وجرحت وأسرت.
فمن ملخص القصة، يعلم أن ما كان منها إنما هو تهيج عصبى سببه التألم من تلك الحالة السياسية التى كان يتألم منها من نشأت بينهم مع معونة التحمس الدينى والاعتقادات بالخرافات الدينية التى كانت ذائعة فى زمنها، وهذا شىء عادى معروف السبب، وهو من قبيل الذين يقومون باسم المهدى المنتظر كمحمد أحمد السودانى، والباب الإيرانى (وكذا البهاء والقاديانى)، بل الشبهة فى قصتها أبعد من الشبهة فى قصة هذين الرجلين، وإن كانت أسباب النهضة متقاربة، فإنّ هذين كانا كأمثالهما يدعوان إلى
شىء (ملفق) يزعمان أنه إصلاح للبشر فى الجملة.