وتنالون به الثواب، هذا وإنى أعلم من فئة مسلمة ما أعلمه من نفسى ولكنّهم يتحفظون فى الكتمان، ويسألون الكتب خشية سؤال الإنسان، ولكننى لا أجد فى السؤال عارا، وكل عقل يخطئ ويصيب، يزل ويستقيم.
(أحد قرائكم)
لقد سرنا من السائل أنه على تمكن الشبهة من نفسه لم يذعن لها تمام الإذعان فيسترسل فى تعدى حدود الدين إلى فضاء الأهواء والشبهات التى تفسد الأرواح والأجسام، بل أطاع شعور الدين الفطرى، ولجأ إلى البحث فى الكتب، ثم السؤال ممن يظن فيهم العلم، بما يكشف الشّبهة، ويقيم الحجّة، وإن كثيرا من الناس لينصرفوا عن طلب الحق عند أول قزعة من الشبهة تلوح فى فضاء أذهانهم، لأنّهم شبّوا على حبّ التمتع والانغماس فى اللذة، ويرون الدين صادا لهم عن الانهماك والاسترسال فيها، فهم يحاولون إماتة شعوره الفطرى، كما أمات النشوء فى الجهل برهانه الكسبى.
أرى السائل نظر من رسالة التوحيد فى المقدمات ووعاها، ولكنه لم يدقق النظر فى المقاصد والنتائج، لذلك نراه مسلما المقدمات دون النتيجة مع اللزوم بينهما، فإذا هو عاد إلى مبحث (حاجة البشر إلى الرسالة) وتدبره وهو مؤمن بالله، وأنه أقام الكون على أساس الحكمة البالغة والنظام الكامل، فإننى أرجو له أن يقتنع، ثم إننى آنست منه أنه لم يقرأ مبحث (وقوع الوحى والرسالة) أو لعله قرأه ولم يتدبره، فإنه لم يذكر البرهان على نفس الرسالة ويبنى الشبهة عليه، وإنما بناها على جزء من أجزاء المقدمات، وهى القول فى بعض صفات الرسل عليهم السلام، وإننى أكشف له شبهته أولا فأبين أنها لم تصب موضعها، ثم أعود إلى رأى فى الموضوع.
إنّ (جان دارك) التى اشتبه عليه أمرها بوحى الأنبياء لم تقدم بدعوة إلى دين أو مذهب تدعى أن فيه سعادة البشر فى الحياة وبعد الموت كما هو شأن جميع المرسلين، ولم تأت بآية كونية ولا علمية لا يعهد مثلها من كسب البشر تتحدى بها الناس ليؤمنوا بها، وإنما كانت فتاة ذات وجدان شريف هاجه شعور الدين، وحركته مزعجات السياسة فتحرك، فنفر،