وأما ما أكرمه الله تعالى به من الآيات الكونية فلم يكن لإقامة الحجة على نبوته ورسالته، بل كان من رحمة الله تعالى وعنايته به وبأصحابه فى الشدائد، كنصرهم على المعتدين من الكفار الذين يفوقونهم عددا وعتادا واستعدادا بالسلاح والطعام، وناهيك بغزوة بدر والنصر فيها، ثم بغزوة الأحزاب إذ تألب المشركون واليهود على المسلمين وأحاطوا بمدينتهم فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين شر القتال.
من تلك الآيات: شفاء المرضى، وإبصار الأعمى، وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل فى غزوة الأحزاب وفى غزوة تبوك، كما وقع للمسيح عليه السلام.
ومنها: تسخير الله السحاب لإسقاء المسلمين؛ وتثبيت أقدامهم التى كانت تسيح فى الرمل ببدر، ولم يصب المشركين من غيثها شىء. ومثل ذلك فى غزوة تبوك إذ نفذ ماء الجيش فى الصحراء والحر شديد حتى كانوا يذبحون البعير ويخرجون الفرق من كرشه ليعتصروه ويبلّوا به ألسنتهم على قلة الرواحل معهم، وكان يقل من يجد من عصارته ما يشربه شربا، فقال أبو بكر: يا رسول الله إنّ الله عودك فى الدعاء خيرا فادع لنا، فرفع يديه فدعا، فلم يرجعهما حتى كانت السّماء قد سكبت لهم ما ملئوا ما معهم من الروايا، ولم تتجاوز عسكرهم (?).
لقد كانت آيات المرسلين حجة على الجاحدين المعاندين، استحقّوا بجحودها عذاب الله فى الدنيا والآخرة، ولم يؤمن بها ممن شاهدوها إلا المستعدون للإيمان بها.
إن فرعون وقومه لم يؤمنوا لآيات موسى، وإن أكثر بنى إسرائيل لم يعقلوها (?)، وقد اتخذوا العجل وعبدوه بعد رؤيتها ورؤية غيرها فى برية سيناء. وقال اليهود فى المسيح:
لولا أنه رئيس الشياطين لما أخرج الشيطان من الإنسان. وقالوا إن إبليس أو بعلزبول (?) يفعل أكثر من فعله، وما كان أكثرهم مؤمنين. وقال المنافقون وقد رأوا بأعينهم سحابة واحدة فى إبان القيظ قد مطرت عسكر المؤمنين وحده عند دعاء النبى صلّى الله عليه وسلم: إننا مطرنا بتأثير النوء لا بدعائه.