إن ما رواه المحدثون بالأسانيد المتصلة تارة، والمرسلة (?) أخرى من الآيات الكونية التى أكرم الله تعالى بها رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم وهى أكثر من كلّ ما رواه الإنجيليون وأبعد عن التأويل، ولم يجعلها برهانا على صحة الدين، ولا أمر بتلقينها للناس.
ذلك بأن الله تعالى جعل نبوة محمد ورسالته قائمة على قواعد العلم والعقل فى ثبوتها وفى موضوعها؛ لأن البشر قد بدءوا يدخلون بها فى سن الرشد والاستقلال النوعى الذى لا يخضع عقل صاحبه فيه لا تباع من تصدر عنهم أمور عجيبة مخالفة للنظام المألوف فى سنن الكون، بل لا يكمل ارتقاؤهم واستعدادهم العقلى مع هذا الخضوع، بل هو من موانعه، فجعل حجة نبوة خاتم النبيين عين موضوع نبوته، وهو كتابه المعجز للبشر بهدايته وبعلومه، وبإعجازه اللفظى والمعنوى، وبأنباء الغيب الماضية والحاضرة والآتية فيه (?)؛ ليربى البشر على الترقى فى هذا الاستقلال، إلى ما هم مستعدّون له من الكمال.
هذا الفصل بين النبوات الخاصة الماضية، والنبوة العامة الباقية، قد عبّر عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقوله: «ما من الأنبياء من نبى إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلىّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة». متفق عليه من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه.
وقصّ الله تعالى علينا فى كتابه: أن المشركين اقترحوا الآيات الكونية (العجائب) على رسوله، فاحتج عليهم بالقرآن فى جملته، وبما فيه من أخبار الرسل والكتب السابقة التى لم يكن يعلمها هو ولا قومه، وبهدايته وبعلومه وبإعجازه، وعدم استطاعة أحد ولا جماعة ولا العالم كله على الإتيان بمثله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الإسراء: 88]، وسيأتى تفصيله.