ويظهر أن كثيرين من الذين تعلّموا فى تلك المدارس لم يعطوا قوة على الأنباء بما سيأتى. إنما اختص بهذه الخصوصية أناس منهم كان الله يقيمهم وقتا دون آخر حسب مشيئته، ويعدهم بتربية فوق العادة لواجباتهم الخطيرة على أن بعض الأنبياء الملهمين كان يختصهم الله بوحيه ولم يتعلموا من قبل ولا دخلوا تلك المدارس، كعاموس مثلا فإنه كان راعيا وجانى جميز (?).
«أما النبوة فكانت على أنواع مختلفة كالأحلام والرؤى والتبليغ، وأحيانا كثيرة كان الأنبياء يرون الأمور المستقبلة بدون تمييز أزمنتها فكانت تقترن فى رؤاهم الحوادث الرقيبة العهد مع البعيدة. كاقتران نجاة اليهود من الأشوريين بخلاص العالم بواسطة المسيح، وكانتصار اسكندر ذى القرنين بإتيان المسيح، وكاقتران انسكاب الروح القدس يوم الخميسين بيوم الحشر، ومن هذا القبيل اقتران خراب أورشليم بحوادث يوم الدينونة. وقد أرسل الله الأنبياء الملهمين ليعلنوا مشيئته وليصلحوا الشئون الدينية، وعلى الأخص ليخبروا بالمسيح الآتى لتخليص العالم، وكانوا القوة العظيمة الفعالة فى تعليم الشعب وتنبيههم وإرشادهم إلى سبيل الحق، وكان لهم دخل عظيم فى الأمور السياسية» أهـ بنصه.
أما تفسير الإلهام بحلول روح الله فى روح الملهم فهو تحكم للنصارى لا يعرفه ولا يعترف به أنبياء بنى إسرائيل ولا علماؤهم، ولا يمكنهم إثباته ولا دفع ما يرد عليه من وقوع التعارض والتناقض والخلق فيما كتبه أولئك الملهمون، وما خالفوا فيه الواقع، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «إن فى شرح ذلك التعليم دقة، وأن العلماء اختلفوا فى شرحه» إلخ، ومن حلّ فيه روح الله صار إلها، إذ المسيح لم يكن إلها عند النصارى إلا بهذا الحلول، فكيف يقع فى مثل ما ذكر ويتخلف وحيه أو يخالف الواقع؟
1 - إن أكثر أنبياء بنى إسرائيل كانوا يتخرجون فى مدارس خاصة بهم يتعلمون فيها تفسير شريعتهم التوراة، والموسيقى والشعر، وأنهم كانوا شعراء ومغنيين وعازفين على آلات الطرب، وبارعين فى كل ما يؤثر فى الأنفس ويحرك الشعور والوجدان، ويثير رواكد الخيال، فلا غرو أن يكون عزرا ونحميا من أعظم أنبيائهم ساقيين من سقاة الخمر لملك بابل (اؤرتحششتا) ومغنيين له، وأن يكونا قد استعانا بتأثير غنائمهما فى نفسه على سماحه لهما بالعودة بقومهما إلى وطنهما وإقامة دينهما فيه.