الوحي المحمدي (صفحة 33)

الفصل الثانى فى إقامة الحجة على مثبتى الوحى المطلق فى إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم

إن من اطّلع على الكتب المقدسة عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى المعبر عنها بكتب العهدين القديم والجديد، وعلى القرآن وكتب السنة والسيرة المحمدية- من أحرار الفكر ومستقلى العقل- علم علما وجدانيّا أنه لا يستطيع أحد أن يؤمن إيمانا علميا بأن تلك الكتب وحى من الله، وأن الذين كتبوها أنبياء معصومون فيما كتبوه ثم لا يؤمن بأن القرآن وحى من الله، وأن محمدا نبىّ معصوم فيما بلغه عن الله تعالى. كما لا يستطيع فقيه أن ينكر فقه أبى حنيفة والشافعى، ولا نحوى أن يجحد نحو سيبويه وابن جنّى، ولا شاعر أن ينفى شاعرية الرضى والبحترى، وقل مثل ذلك فى الطبيب والفيلسوف والرياضى والفلكى- كل منهم مع أئمة علمه، وفى كلّ إنسان صحيح الحواس فى المدركات الحسية، فالبصير لا يستطيع أن يكابر حسه فيفضل نور القمر والكواكب على ضوء الشمس، أن نور السراج على نور النهار، ولله در البوصيرى حيث قال:

الله أكبر إنّ دين محمد ... وكتابه أقوى وأقوم قيل

لا تذكروا الكتب السوالف عنده ... طلع الصباح فأطفأ القنديلا

قد صرح بهذا المعنى علماء الإفرنج الذين نشئوا فى النصرانية، وأحاطوا بها علما وخبرا، ثم عرفوا الإسلام معرفة صحيحة ولو غير تامة.

كتب الأستاذ أدوار مونتيه المستشرق مدرس اللغات الشرقية فى مدرسة جنيف الجامعة فى مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن ما ترجمته بالعربية:

«كان محمّد نبيّا صادقا كما كان أنبياء بنى إسرائيل فى القديم، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه وكانت العقيدة الدينيّة وفكرة وجود الألوهية متمكنتين فيه كما كانتا متمكنتين فى أولئك الأنبياء أسلافه فتحدّث فيه كما كانت تحدث فيهم ذاك الإلهام النفسيّ، وهذا التضاعف فى الشخصية، اللذين يحدثان فى العقل البشرى المرائى والتجليات والوحى والأحوال الروحية التى من بابها» أهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015