وجه حاجة البشر إلى هداية الأنبياء عليهم السلام فى الجملة أن موضوع رسالتهم المقصود بالذات أو بقصد الأول ثلاثة أمور لا تستقل معارفهم المكتسبة بحواسهم وعقولهم بها، ولا يذعنون فيها إلا لأمر ربهم وخالقهم.
(أحدها) الإيمان بالغيب، ورأسه توحيد الله وصفاته وآياته الدالة على كماله وتنزهه عن النقص، وما يجب من عبادته وشكره وذكره الذى هو على ما تتزكى به النفس، وتتطهر من أدران مساويها، وتصل إلى الكمال المستعدة له بفطرتها. ويليه الإيمان بملائكته وما يناط بهم من الوحى، والنظام فى الخلق والأمر، ويجب الوقوف فى ذلك عند ما ورد به النص.
ومما أخبر به الأنبياء من أمر عالم الغيب (الجن والشياطين) وأن ما يجده الناس فى أنفسهم من خواطر السوء، وتقوية دواعى الشر والباطل فهو من وسواس الشياطين، وحكمة إعلامهم بذلك إرشادهم إلى محاسبة أنفسهم على خواطرها، والتمييز بين حقها وباطلها، وخيرها وشرها، فهو أكبر معين لهم على تربيتها وتزكيتها- وقد وضحناه بالدلائل فى تفسيرنا- وضربنا له المثل بعوالم الجنّة المادية التى تسمى بالميكروبات، وكون تأثيرها فى الأجسام كتأثير الشياطين فى الأرواح، وقد مر على البشر الألوف الكثيرة من السنين وهم يجهلونها على ما لها من التأثير العظيم فى صحتهم وأمراضهم، وطعامهم وشرابهم، حتى كشفوها فى هذا العصر، ولو حاسب الناس أنفسهم على خواطرهم السوأى اتقاء لوسوسة الشياطين كما يتقون ميكروبات الأمراض لحفظ أبدانهم لكان تأثير هذه التقوى لحفظ الأنفس من الشر والفساد أعظم من تأثير تلك الوقاية فى حفظ الأجساد من الأمراض.
وقد كشف بعض الماديين فى القرن الثامن عشر أن للبشر أرواحا مستقلة كما أخبرهم الأنبياء، ووجدوا وسيلة لإدراك بعض الجنة غير المادية، وهو ما يعتقدون أنه من أرواح الموتى والراجح عندنا أن أكثرها من أرواح شياطينهم، ولا يتسع هذا الفصل لبيان الحق فى هذه المسألة التى لا تزال موضع الخلاف بين الناس، وإنما المراد هنا تعريف موضوع الرسالة بالإجمال.