بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192 - 195] وفى تخيل الملك بزعمهم.
وسنشرح هذا الزعم ونبسط شبهاته ونبطلها، ونثبت أنّ هذا القرآن وحى من الله تعالى ينزل من فوق السموات العلى، لا يمكن أن يكون فائضا فى هذه الأرض من نفس محمد صلّى الله عليه وسلم وهو موضوع كتابنا هذا.
وأعلم أيها القارئ أن تقسيم المتكلمين كلام الله تعالى إلى نفسى قديم قائم بذاته سبحانه ليس بحرف ولا صوت ولا ترتيب ولا لغة، وكلام لفظى هو المنزل على الأنبياء عليهم السلام، ومنه الكتب الأربعة، وخلافهم فى كونه مخلوقا أو غير مخلوق هو اصطلاح كله فلسفة وآراء نظرية مبتدعة، لم يرد به كتاب ولا سنة وهو تعرض للبحث التحليلى لذات الله تعالى وصفاته، ومثار للوسواس الشيطانى فيه فاجتنبه، واستعذ بالله منه، وحسبك أن تؤمن بأن الكلام صفة كمال تتعلق بكل ما يتعلق به العلم، إلا أن تعلق العلم عبارة عن انكشاف المعلومات للعالم، وتعلّق الكلام عبارة عن كشف العالم ما شاء من علمه لمن شاء، وأن الله تعالى متصف بكمال العلم والتعليم، وكمال الكلام والتكليم، وأن هذا وغيره مما وصف به نفسه فى كتابه لا ينافى كمال تنزيهه تعالى عما لا يليق به من نقائص عباده ولا يقتضى مماثلته لهم فيما وهبهم من كمال، فإن الاشتراك فى الأسماء لا يقتضى الاشتراك فى المسميات، وأسماء الأجناس المقولة بالتشكيك فى الممكنات تختلف من وجوه كثيرة منها النقص والكمال، فكيف بها إذا كانت مشتركة بين الخالق والمخلوقات؟ فذاته تعالى أكمل من ذواتهم، ووجوده أعلى من وجودهم، وصفاته أسمى من صفاتهم، وهو أعلم، ورسوله أعلم منهم بصفاته وأفعاله، فعليك أن تؤمن بما صح عنهما من إثبات ونفى، ومن غير زيادة ولا نقص، بلا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، وليس عليك ولا لك أن تحكم رأيك وعقلك فى كنه ذاته ولا صفاته، ولا فى كيفية مناداته وتكليمه لرسله، ولا فى كنه ما هو قائم به، وما يصدر عنه، وعلى هذا كان أصحاب الرسول وعلماء التابعين، وأئمة الحديث والفقه، قبل ظهور بدعة المتكلمين.