بالله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فهل كان هذا مما استمده محمد صلّى الله عليه وسلّم من علماء أهل الكتاب، فجادوا به عليه وبخلوا به على أقوامهم؟ أم هو نابع من نفسه وزهو يقتضى أن ما ينبع منها أعلى من وحى الله لغيره على حسب دعوى أتباع هؤلاء الرسل؟ كلا إنما هى من وحى الله تعالى له.
ومما بيّنه القرآن فى مسألة الأنبياء والرسل أنه يجب الإيمان بجميع رسل الله تعالى وعدم التفرقة بينهم فى الإيمان، وأنّ الإيمان ببعضهم والكفر ببعض كالكفر بهم كلّهم؛ لأن إضافتهم إلى الله تعالى واحدة، ووظيفتهم فى إرشاد المكلفين رسالته وشرعه واحدة، قال الله تعالى فى خواتيم سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285]، وبين فى سورة [النساء، الآيات: 150 - 152] أن التفرقة بينهم فى الإيمان هى الكفر حق الكفر، وأن الإيمان بالجميع بغير تفرقة هو الإيمان حق الإيمان.
وهذا مبنىّ على الإيمان بأن دين الله تعالى الذى أرسل به جميع رسله واحد فى أصوله ومقاصده من هداية البشر وإصلاحهم، وإعدادهم لسعادة الدنيا والآخرة، وإنما كانت تختلف صور العبادات والشرائع باختلاف استعداد الأقوام، ومقتضيات الزمان والمكان، حتى بعث الرسول بالأصول الموافقة لكلّ زمان ومكان، مع الإذن بالاجتهاد فى المصالح التى تختلف باختلاف الأطوال والأحوال، فالإيمان ببعضهم دون بعض فى رسالتهم الإلهية اتباع للهوى فى الإيمان وجهل بحقيقة الدين، فلا يعتد به، لأنه عين الكفر.
وقد انفرد بهذه الحقيقة العادلة المسلمون دون أهل الملل الوثنية من المجوس والهندوس، ودون أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إلا بأنبياء بنى إسرائيل وأبيهم وجدهم، على ما يذكرون فى كتبهم من عيوب ومنكرات وفواحش يرمونهم بها.
وأما المسلمون فيؤمنون بأن رب العالمين أرسل فى كل الأمم رسلا هادين مهديين فهم يؤمنون بهم إجمالا، وبما قصه القرآن عن بعضهم تفصيلا، فقد كرّم الإسلام بهذا نوع الإنسان، ومهّد به السبيل للألفة والأخوة الإنسانية العامة التى نبينها بعد، فالمسلم صديق ومحبّ وحبيب لجميع الأنبياء والمرسلين فى الدنيا والآخرة، وتجاه هذا يصح أن يقال: إن غير المسلم عدو لله ولهم كلهم، لأن تكذيبه لبعضهم تكذيب لرسالتهم ولمرسلهم سبحانه.