ولما بعث خاتم النبيين الذى بشر به موسى وعيسى والنبيون عليه وعليهم الصلاة والسلام، وبين الفريقين- اليهود والنصارى- ما اختلفوا فيه من أمر الدين، ورأوا اليهود والنصارى يتبعونه لعلمهم بأنه جدد لهم دين أنبيائهم عادوه وحاربوه كما تقدم، ولكنهم استفادوا من نوره صلّى الله عليه وسلّم ما حملهم على إصلاح كبير فى دينهم قاتل عليه بعضهم بعضا حتى صارت أوروبا فريقين متكافئين فى القوة، وكل ذلك معروف بالتفصيل فى العالم كله.
ثم حدث بعد ذلك أن حرب دين الإصلاح (البروتستنت) ما زال يتدرج فيما خالف فيه دين الكاثوليك والأرثوذكس وهو حرية البحث فى الدين حتى صار الملايين من أتباعه لا يؤمنون بعصمة كتب العهد القديم ولا العهد الجديد، ثم عقدوا مجامع ومناظرات قرروا فيها بطلان القول بألوهية المسيح.
ثم حدث فى هذا العام أن جاهر الجمهور الأعظم فى الممالك الجرمانية بوجوب بناء دين الأمة على قواعد جنسها الآرى، وهدم قواعد الجنس السامى الدينية وأنبيائه من بنى إسرائيل، فبرز البابا يناهضهم ويصرح بأنهم يعودون إلى الوثنية القديمة فعلم من هذا الحدث الجديد أنّ الديانة النصرانية التى هدمها الشيوعيون فى شرق أوروبا وآسيا (الروسية) وطفقوا يبثّون الدعوة بهدمها هى وسائر الأديان، والتى أعقبهم الفاشيون من الجرمان بهدمها فى قلب أوروبا- ليست بالديانة التى تثبت فى عواصف هذه الفتن الجديدة، وإنما الذى يقوى على ذلك دين الإسلام وحده.
فلا سبيل إلى إنقاذ أوروبا وسائر العالم من فوضى كفر التعطيل والإباحة إلا به.
وأما مسألة الشفاعة التى كان مشركو العرب يثبتونها لمعبوداتهم فى الدنيا، وأهل الكتاب يثبتونها لأنبيائهم وقديسيهم فى الدنيا والآخرة، فقد نفاها القرآن وأبطلها وأثبت أن الشفاعة لله جميعا، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 28، 29]، وقد فصلنا ذلك فى تفسير سورة البقرة وغيرها مرارا (ومنه أن الشفاعة الثابتة فى الأحاديث غير الشفاعة والوثنية والنصرانية المنفية فى القرآن)، وقد قرر هذه المسألة فى بضع وعشرين آية من السور المكية والمدنية.
فأنت ترى أن القرآن قد بين حقيقة هذه المسألة التى ضل فيها الملايين من البشر فأشركوا