إنّ أركان الدين الأساسية التى بعث الله تعالى بها جميع رسله، وناط بها سعادة البشر هى الثلاثة المبينة بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62]، وهاك الكلام على كل واحد منها بالإيجاز، لأن المراد هنا بيان أن ما جاء به القرآن منها هو أتمّ وأكمل من المعروف فى سائر الأديان، وفيه صلاح لما أفسد أهل الملل من دين الأنبياء، مما طرأ على كتبهم من الضياع والتحريف، وما ابتدعوا فيه من الأهواء والتقاليد، وليس المراد بيانها فى ذاتها بالتفصيل الذى يتوقف عليه العمل، حتى إذا ثبت ما يقصده من نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وكون هذا القرآن كلام الله عزّ وجلّ أوحاه إليه، علم منه أنه يجب على المؤمن به أن يتعلم جميع ما فرضه عليه.
وهذه الأركان الثلاثة تدل عليها آثار الملل القديمة البائدة كالمصريين والكلدانيين، وبقايا كتب أممها الباقية كالهنود والمجوس والصينيين، وغرضنا فى هذا الكتاب أن نبين لجميع الشعوب المتدينة أن ما هم عليه من الدين ليس هو عين ما أوحاه الله إلى رسله الذين ظهروا فى أسلافهم، ولا هو بالمصلح لهم فى أنفسهم وأعمالهم، وإنّ الإسلام هو الدين الحقّ الثابت عقلا ونقلا، والمبين لكل ما يحتاجون إليه من الهداية، وبهذا الاعتبار جعلناها مقصدا واحدا لا ثلاثة، وجعلنا المقصد التالى له فى موضوع الرسل والرسالة.
إنّ الركن الأوّل الأعظم من هذه الأركان- وهو الإيمان بالله تعالى- قد ضلّ فيه جميع الأقوام والأمم. حتى أقربهم عهدا بهداية الرسل، فاليهود على حفظهم لأصل عقيدة التوحيد، قد غلب عليهم التشبيه، وغاب عنهم أن يجمعوا بين النصوص المتشابهة فى صفات الله وبين عقيدة التنزيه. فقد جعلوا الله كالإنسان بتعب ويندم على ما فعل، كخلقه