الوحي المحمدي (صفحة 105)

فعل القرآن فى أنفس مشركى العرب

قلنا: إن فعل القرآن فى أنفس العرب كان على نوعين: فعله فى المشركين، وفعله فى المؤمنين، فالأول تأثير روعة بلاغته، ودهشة نظمه وأسلوبه، الجاذب لفهم دعوته والإيمان به إذ لا يخفى حسنها على أحد فهمهما، وكانوا يتفاوتون فى هذا النوع تفاوتا كبيرا لاختلاف درجاتهم فى بلاغة اللغة وفهم المعانى العالية.

فهذا التأثير هو الذى أنطق الوليد به المغيرة المخرومى بكلمته العالية فيه لأبى جهل التى اعترف فيها بأنه الحق الذى يعلو ولا يعلى، والذى يحكم ما تحته، وكانت كلمة فائضة من نور عقله وصميم وجدانه، وما استطاع أن يقول كلمة أخرى فى الصد عنه بعد إلحاح أبى جهل عليه باقتراحها إلا بتكليف لمكابرة عقله ووجدانه، وبعد أن فكر وقدر، ونظر وعبس وبسر، وأدبر واستكبر، كما تقدم.

وهذا التأثير هو الذى كان يجذب رءوس أولئك الجاحدين المعاندين ليلا لاستماع تلاوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيته، على ما كان من نهيهم عنه ونأيهم عنه، وتواصيهم وتقاسمهم لا يسمعن له، ثم كانوا يتسللون فرادى مستخفين، ويتلاقون فى الطريق متلاومين (?).

وهذا التأثير للقرآن هو الذى حملهم على منع أبى بكر الصديق رضى الله عنه من الصلاة والتلاوة فى المسجد الحرام، لما كان لتلاوته وبكائه فى الصلاة من التأثير الجاذب إلى الإسلام، وعللوا ذلك بأنه يفتن عليهم نساءهم وأولادهم، فاتخذ مسجدا له بفناء داره فطفق النساء والأولاد الناشئون ينسلون من كل حدب إلى بيته ليلا لاستماع القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015