عَلَيْهِ الغفو بِخِلَافِ الْمُجَازِ لَهُ الْمُتَيَقِّظِ الْحَافِظ الْعَارِفِ بِمَا يُؤَدِّيهِ وَيُورِدُهُ وَيَرْوِيهِ
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ مِعْرِفَةُ الرَّاوِي وَضَبْطُهُ وَإِتْقَانُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ سَمَاعًا أَوْ مُنَاوَلَةً أَوْ إِجَازَةً إِذْ جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزٌ
وَإِذَا تَأَمَّلَ الْحَاذِقُ مِنَ الطَّلَبَةِ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَأَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخُلْفِ فِي رِوَايَةِ كِتَابٍ وَاحِدٍ لَتَخَلَّفَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا تَحَقَّقَ مَا قُلْنَاهُ وَرَجَعَ عَمَّا أَبْدَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أبدا وَلَا حدث بِهِ أحد
وَمِنْ مَنَافِعِ الْإِجَازَةِ أَيْضًا أَنْ لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ وَبَاغٍ لِلْعِلْمِ فِيهِ رَاغِب يَقْدِرُ عَلَى سَفَرٍ وَرِحْلَةٍ وَبِالْخَصُوصِ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا إِلَى عِلَّةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ يَكُونُ الشَّيْخُ الَّذِي يَرْحَلُ إِلَيْهِ بَعِيدًا وَفِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ يَلْقَى تَعَبًا شَدِيدًا فَالْكِتَابَةُ حِينَئِذٍ أَرْفَقُ وَفِي حَقِّهِ أَوْفَقُ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْهَجِ السُّنَنِ وَأَبْهَجِ السُّنَنِ فَيَكْتُبُ مَنْ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ إِلَى مَنْ بِأَقْصَى الْمَشْرِقِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي رِوَايَةِ مَا يَصِحُّ لَدَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرْوِيُّ حُجَّةً كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مَعَ رُسُلِهِ فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَقَبِلَ مِنْهُمْ فَهُوَ حُجَّةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِ