ويبقى العام معمولًا به فيما وراء الخاص.

وإن كان أحد النصين مطلقًا، والآخر مقيدًا، حُمل المطلق على المقيد، كما سبق في بابه، مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]. مع قوله تعالى: {إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]، فاللفظ المطلق "الدم" محمول على المقيد "دمًا مسفوحًا"، ويكون الدم المحرم هو الدم المسفوح فقط.

4 - تساقط الدليلين:

إذا تعارض الدليلان، وتعذر النسخ والترجيح والجمع، فيحكم بتساقط الدليلين لتعارضهما، ثم يلجأ المجتهد إلى الاستدلال بما دونهما في الرتبة، فإذا تعارضت آيتان ترك الاستدلال بهما إلى السنة، وإذا تعارض حديثان عدل عنهما إلى الاستدلال بقول الصحابي عند من يحتج به، أو إلى القياس والاستحسان؛ لتعذر العمل بالأعلى بسبب تعارضه مع غيره، ولأن العمل بأحد المتعارضين ترجيح من غير مرجح، فكأن الواقعة لم يرد فيها نص، فإن لم يوجد دليل أدنى وجب العمل بالأصل العام في ذلك الشيء، كأنه لم يرد فيه دليل أصلًا على الحكم.

مثال العمل بالأدنى: ما ورد في السنة من حديثين متعارضين في صلاة الكسوف، أحدهما رواه النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "صلى صلاةَ الكسُوف كما تصلُّون، رَكْعة وسجدتين" (?)، والثاني روته عائشة رضي اللَّه عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "صلّى الكسوف ركعتين بأربعةِ ركوعات، وأربعِ سجدات" (?)، فالتعارض في كيفية صلاة الكسوف في كل ركعة بركوعين مع قيامين أو بركوع واحد مع قيام واحد كبقية الصلوات، ولا مرجح عند الحنفية لأحد الحديثين على الآخر، فتركوا العمل بهما، وأخذوا بالقياس، وهو قياس صلاة الكسوف على بقية الصلوات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015