وقال بعضهم: إن مثل ما يوعدون من أنهار الماء واللبن والخمر في الجنة ما يعرفون من هذه الأشياء في الدنيا، كأنَّه قال: مثل الجنة التي توعدون في الآخرة والجنة التي تعقلونها بهذه الصفة، وهذا هو الوجه المختار.
الرابع: السنن، قال الله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني: سنن الذين من قبلكم، أي: [ما أخروا عليه في الدنيا من السراء والضراء] وهذا بعيد.
والوجه أن يقال: إنه أراد ولما يصبكم مثل ما أصابهم من السراء والضراء، وقيل: الشبه والمثل في الشبه والمثل في الهيئة في أكثر الكلام، وقد يقال فيه: مثل ومثل لغتان، والشبه في المتماثلين من كل شيء، وبيان ذلك مشروح في كتابنا في الفروق، وليس هذا موضع الإطالة فيه، وعندنا أن المماثلة تكون بين الذوات والمشابهة بين الصفات، ومثله قوله: (وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي: سننهم.
ومثله قوله: (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)، يعني: سنن العذاب، كذا قيل، والصحيح أنه أراد: (أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي: أخبارا تكون لكم مثلا، وعبرة تعتبرونها فتنتفعون بها في آيات الدِّين والدنيا، وهكذا معنى قوله: (وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي: مضى في القرآن من أخبارهم ما يكون مثلا.