أصلها في العربية: الإضراب عن الأول، وإثبات الثاني، تقول: لقيت زيدا بل عمرا. فتركت الأول، وأخذت تذكر شيئا آخر، غلطت في الأول، أو بدا لك فيه، فتداركت كلامك بـ " بل " فجعلت الأمر للثاني، - وأخرجت الأول بما دخل فيه الثاني.
ثم جاء في القرآن لغير الغلط والاستدراك والبداء، ولكن لترك قصة إلى أخرى، كأنه قال: دع هذا مع تمام فائدته إلى فائدة أخرى، ومثل هذا يكون منا أيضا، يقول أحدنا: جاءني الحاجب بل الأمير، أي: دع مجيء الحاجب مع أفدتك به، فالأمير هذا أمره.
وينقسم في القرآن على وجهين:
أحدهما: قوله تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) كأنه قال: دع ما تقدم ذكره من أمرهم، وخذ في أنهم قالوا: إن القرآن أضغاث أحلام، وأضغاث الأحلام: مختلطاتها التي لا تأويل لها، ثم حكى عنهم فقال تعالى: (بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ)، والمراد أنه اختلط عليهم أمرهم، فكذبوا أنفسهم، وخرجوا من شيء إلى شيء، وهذا على سبيل الإضراب عن الأول وإثبات الثاني.
ومثل الوجه الأول قوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ)، فـ: (ادَّارَكَ) لفظ ماض ومعناه الاستقبال، أي: بل يتكامل علمهم في الآخرة إذا حصلوا فيها، ويوقنون أن ما وعدوا منها في الدنيا حق.