(الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ولم يتقدم في الكلام أيقولون كذا فنرد عليه أم يقولون، وقيل: إنما أراد أيقولون افتراه، والصحيح أن أم هاهنا بمعنى بل فرد قولهم، ثم قال: (هُوَ الحقُّ).
قال المبرد: لـ أم موضعان، وكلاهما استفهام، فأحدهما: أن تسأل عن شيء من شيئين أو أكثر من ذلك تدعي من الاثنين والجميع واحدا ولا تدري أيهما هو وذلك قولك: أزيد في الدار أم عمرو، وأزيد أفضل أم خالد، وعبد اللَّه عندك أم عمرو وأنت الآن مدع أن أحدهما عنده ولا تدري أيهما هو، ولا يصلح في جوابه لا ولا نعم على ما تقدم قبل، وإنما جوابه أن تقول: فلان عندي أو تقول: كلاهما عندي، أو تقول: لا زيد عندي ولا عمرو فإذا قلت: ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو فإنما أخبرت أنهما قد استويا عندك في الكون هناك، وكذلك قولك: لا أبالي عمرا ضربت أم زيدا وسواء ذلك علي إن أدبر زيد أم أقبل.
وكل هذا تسوية وعلم في تقديره أنه سيقع، ومن ذلك قوله تعالى: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) وقوله: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) خرج مخرج التوقيف والتوبيخ، قال: واعتبر هذا يأتي فإنها تكون لأحد شيئين أو لأحد أشياء تقول: ما أبالي أي: ذلك كان وسواء علي أي: ذلك كان، وعلمت أي: ذلك كان، وأتى غير عامل فيها ما قبلها وإنما هي كقولك قد علمت أزيد في الدار أم عمرو.
وإذا قلت: أيهما في الدار فمعناه هذا أم هذا فمن ذلك قوله تعالى: (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) وأما قوله تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) فـ (أي) منصوبة بـ (ينقلبون)، كما يقول: علمت أيهم في الدار.
والوجه الثاني: أن أم تجيء للإضراب عن الشيء إلى الشيء فتكون منقطعة عما قبلها خبرا كان أو استفهاما ذلك يكون لوجهين: