فهذه الرواية الأخيرة تبين لو أن كتابة القرآن على الجدران مباحة لما منع عمر بن عبد العزيز ابنه من الكتابة.
ومن تعظيم القرآن الكريم وإجلاله أن لا يصغر (المصحف) كتابة لدرجة عدم إمكان قراءته إلا بمشقة شديدة، ولا يصغر كلاما، بأن يقال: مصيحف.
فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى مصحفا صغيرا في يد رجل، فقال: من كتبه؟ قال: أنا، فضربه بالدرة، وقال: أعظموا القرآن. وروى الأعمش عن إبراهيم عن علي رضي الله تعالى عنه قال: لا يصغر المصحف. وقال الزركشي: وتكره كتابته أي القرآن، القطع الصغير.
وقد اختلف صور هذه الحروف الهجائية في افتتاحيات السور القرآنية، فوردت مفردة مثل: ص، ق، ن، ووردت مركبة من حرفين مثل: طه، ويس، وحم، ووردت مركبة من ثلاثة أحرف مثل، الم، الر، طسم، ووردت مركبة من خمسة حروف مثل: حم عسق، كهيعص.
وورودها من علامات القرآن المكي، فقد وردت في تسع وعشرين سورة كلها مكية ما عدا البقرة، وآل عمران، أما الفريق الأول فيرون أنها مما اختص بعلم الله تعالى وحده وهو أعلم بمراده منها، وفي هذا القول يقول عبد الله بن مسعود: إن هذه الحروف علم مستور، وسر محجوب، استأثر الله به. وحقا فهو نص حكيم قاطع له سر، وهي أربعة عشر حرفا جمعت في عبارة «نص حكيم».
أما الفريق الثاني: فقد حاول تأويلها وقدم لذلك وجوها:
1 - الأول: أنها تحدي العرب بالقرآن لكونه مؤلفا من جنس هذه الحروف فالقرآن معجزة للعرب بتأليفه على الرغم من أنه من كلامهم ويستدلون بأمرين.
أ - أن أكثر السور المفتتحة بهذه الحروف قد ورد ذكر القرآن تأكيدا على أن تلك الحروف هي مادة القرآن ومكنوناته، يقول تعالى في سورة يوسف الر، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
ب - كونها مكية في الغالب يوجب أن يكون وقع التحدي لأهل مكة أن يأتوا