إن الذي قام به عثمان رضي الله عنه وأمر به، هو كتابة عدد من النسخ عن ذلك المصحف الإمام، الذي جمع على عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأجمع عليه المسلمون واعتمده الخلفاء الراشدون المهديّون، مع مراعاة ترتيب السور في هذه النسخ، إلى جانب ما كان في الأصل من ترتيب الآيات، وأن يكون الرسم صالحا لوجوه القراءات وأحرف القرآن السبعة التي نزل بها، ثم إرسال تلك النسخ إلى الأمصار والأقطار، ليجتمع الناس عليها، وتكون مرجعا في قراءة القرآن لفظا وأداء، وتحسم مادة النزاع والشقاق ولا تبقى للعجمة واللهجات المختلفة سبيل إلى اختلاف الناس في كتاب الله تعالى.
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من