لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة (?). فالمراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وليس المراد أنه لم يجدها محفوظة عند غيره، وإلا فقد كان هو وكثير من الصحابة يحفظونها، وإنما أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، ولذلك تأخّر في إثباتها حتى وجدها مكتوبة عند أبي خزيمة رضي الله عنه. بل إنه توقّف في بادئ الأمر عن كتابتها لأنه لم يشهد لديه شاهدان على كتابتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسب منهجه، ثم كتبها أخيرا بعد أن توفّر لديه ذلك.
لقد استغرق عمل زيد رضي الله عنه سنة كاملة، وكان الانتهاء أواخر السنة الثانية عشرة للهجرة، وما أن انتهى رضي الله عنه من عمله وأبرز تلك الصحف حتى استقبلها الناس بما تستحق من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر رضي الله عنه عنده بقية حياته، ثم كانت عند خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدة خلافته، ثم انتقلت إلى دار حفصة أم المؤمنين بنت عمر رضي الله عنهما، عملا بوصية أبيها أمير المؤمنين، حيث لم يكن الخليفة الجديد معروفا بعد، بل كان الأمر شورى بين ستة اختارهم عمر رضي الله عنه كما هو معروف.
هذا إلى جانب ما كانت عليه حفصة رضي الله عنها من مكانة تجعلها أهلا لهذه المكرمة، فهي فوق أنها زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حافظة لكتاب الله تعالى، تقوم به آناء الليل وتتلوه أطراف النهار. ثم كانت هذه الصحف مرجعا لعمل عثمان رضي الله عنه الذي ستعرفه فيما بعد.
لقد امتازت الصحف التي جمعها زيد رضي الله عنه بأمور أهمها: