ما يصل إليه البحث الإنساني- أيا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها، فمن الخطأ المنهجي- بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته- أن نعلل الحقائق القرآنية النهائية بحقائق غير نهائية، وهي كل ما يصل إليه العلم البشري، وإذا كان هذا بالنسبة للحقائق، فما بالك بالنسبة للنظريات؟.
وبعد هذه الإشارة يمكننا القول: إن الإعجاز العلمي في القرآن يتجلى بالمظاهر التالية:
أ- حثه على التفكير: إن المظهر الأول للإعجاز العلمي في القرآن إنما هو حثه الإنسان على التفكير، وتسريح النظر في آفاق هذا الكون، وإجالة العقل لاستكناه حقائقه وأسراره. فالقرآن لا يشل حركة العقل وتفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليس ثمة كتاب من كتب الأديان السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القرآن.
وليس أدل على هذا المظهر من أن القرآن يجعل التفكير السديد، والنظر الصائب في الكون وما فيه، أعظم وسيلة من وسائل الإيمان بالله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 20 - 21].
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
ب- انسجامه مع الحقائق العلمية وتكريم العلم: ومن مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن ذاك التوافق التام بين الحقائق العلمية الثابتة، وبين آيات القرآن ومبادئه العامة، فأية مسألة من مسائل العلم، أو قاعدة من قواعده- يثبت رسوخها ويتبين يقينها- تكون محققة لما حث عليه القرآن من تفكير سليم، ولا تتعارض معه بحال من الأحوال. وهذه العلوم قد تقدمت وكثرت مسائلها وتنوعت وسائلها،