ولما كانت أباطيلهم هذه بادية العوار- كما فندها القرآن- ظاهرة في إعلان ضعفهم وعجزهم عن مقارعة الحجة بالحجة، وهروبا صريحا من التحدي، لم يجدوا بدا من سلوك الطريق الصعب، واللجوء إلى القوة، ولو كلفتهم الغالي والنفيس، وحكمت السيوف في أعناقهم، وأفقدتهم الأزواج والأولاد، وأباحت دماءهم وأموالهم. وكل هذا قد حصل، وآثروه- وهم أكثر الناس حمية وأنفة- على أن يتصدوا لمعارضة القرآن، وما ذلك إلا لأنهم علموا أنه ليس بمقدورهم الإتيان بمثله، وإلا لبادروا إليه ولكان أهون عليهم وأقل كلفة. وإذا ثبت أنه ليس في مقدورهم ثبت- من باب أولى- أنه ليس في مقدور غيرهم، وبالتالي ثبت أنه ليس من كلام البشر.

هذا ولقد استمرّ هذا التحدّي يقرع آذان الأدباء والشعراء والبلغاء- على اختلاف نحلهم ومذاهبهم- في كل عصر وقرن، واستمر هذا الوجوم أمام شموخ القرآن في إعجازه، ولم يجرؤ أحد- ممن عنده أثارة من علم أو فهم- على أن يتصدى لهذا الشموخ، وهذا دليل مادي ملموس من أقوى دلائل الإعجاز في القرآن، وما ورد من محاولات سخيفة في معارضته فإنما هو هذيان نجلّ المقام عن ذكره.

3 - سماعه حجة:

من دلائل الإعجاز في القرآن أن الله سبحانه وتعالى جعل سماعه حجّة، قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [التوبة: 6] فلولا أن سماعه حجة لما وقف أمنه على سماعه، ولا يكون حجة إلا إذا كان معجزة.

4 - تأثيره النفسي:

لعل من أقوى دلائل الإعجاز في القرآن هو ذاك التأثير الذي يبعثه في النفوس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015