ويقطع عليهم الطريق ويسد في وجههم السبل، فيسجل عليهم العجز ولو اجتمع لذلك الجن والإنس: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]. بل يصل الأمر إلى صراحة في التحدي لا يمكن أن يجرؤ عليها بشر ذو عقل- لو كان هو الذي يقول ذلك- فينفي عنهم
القدرة على سبيل التأييد: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [البقرة: 24].
2 - عجزهم عن المعارضة واضطراب موقفهم:
كان هذا التحدي والعرب في ذروة مجدهم فصاحة وبلاغة، ومعرفة بفنون القول وأساليب الكلام، فكان مقتضى ذلك- وهم أكثر ما يكونون حرصا على إطفاء نوره وإخفاء أمره- أن يهبوا لمعارضته، ويدفعوا بذلك خطره عنهم، ويمحوا الخزي الذي ألصقه بهم- لو كان ذلك في مقدورهم- كيف لا، وهم الذين قالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا؟ ولكن شيئا من هذا لم يحصل، ولم ينقل عن واحد منهم أنه استجاب لتحدي القرآن في محاولة ما، أو حدّث نفسه بشيء من ذلك.
وإنما الذي حصل هو أنهم تعدوا هذا وعدلوا إلى مسالك شائكة، وانتهجوا أساليب ملتوية، فما أن قرع القرآن أسماعهم بهذا التحدي الصارخ حتى اضطربوا في قولهم، وحاروا في أمرهم، ولجؤوا إلى وصفه بالشعر تارة، وبالسحر أخرى، وبالكهانة مرة، وبالجنون حينا، وغير ذلك مما اضطربوا فيه وتلجلجوا وسجله عليهم القرآن: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الأنبياء: 5]. وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ [الزخرف: 30]. أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 36]. وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [الحاقة: 41 - 43].