إجماعُ الصحابةِ على الرضا بالاختلاف في الفُتْيا. فإن قال السائلُ: وما الدليلُ على أن إجماعَهم حقٌّ؟ فقال المجيب: شهادةُ القرآنِ لهم بالتعديلِ، فقال السائلُ: وما الدليلُ على أن القرآنَ صحيحٌ؟ فقد انتقلَ أسوأَ انتقال؛ لأنه معلومٌ أنه لا يُتَكَلمُ في الاجتهاد إلا بعد التسليم بصحَّة القرآن. فهذا انتقالٌ من مذهب مشهورٍ إلى مذهب.
والانتقالُ من علَّةٍ إلى علَّةٍ: مثلُ أن يَستدِلَّ بعلةٍ، فلا يُمْكِنُه إجراؤها، فينتقلُ إلى غيرها.
والانتقالُ من إلزامٍ إلى إلزامٍ: مثل أن يُلْزِمَ مسألةً على مذهبه تَدُلُّ على فساد دليلِه أو مذهبه، فلاَ يُسَلمُها، فينتقلُ إلى إلزام غير تلك المسألةِ.
والانتقالُ من تسليم إلى ممانعة: مثلُ أن يُسلم له حكماً، فإذا ضاقَ عليه التسليمُ، عادَ يَمنعُ ما سَلمَه، فهذا كُلُّه انتقالٌ يصيرُ به منقطعاً بحكم الجدلِ.
فصل
في إسقاط السؤالِ
اعلمْ أن الرفعَ للسؤال إنما يقعُ بالبيان أنه يتساوى فيه الخصمان، وإذا تساوى فيه الخصمان، لم يكنْ على أحدهما دون الآخَرِ، ولا أحدُهما بالجواب عنه أَحق من الآخر.
ويحصلُ إسقاطُ السؤالِ بالتسوية بين الحكمين في أنه إن صَحَّ أحدُهما صَحَ الآخرُ، وإن فسدَ أحدُهما فسدَ الآخرُ، من غير بيانٍ لصحته، أو إفسادِه، وكذلك يسقطُ بالتسوية بين العِلتين.