ولأنَّ غايةَ ما في هذا نوعُ احتياطٍ، وليس كل احتياطٍ واجباً، كما لم يجبْ الأخذ بالأشق، كالأخذِا بتحريم من افتى بالمَنْع، كذلك لا يلزمُ التَعويلُ على الأعلمِ والأورع؛ لأنَه الأحوطُ، إنما يُعطَى رتبتَه من الأوْلى والاستحبابِ.
فصل
واعْلَمْ أنني لَمَّا قَدَّمتُ هذه الجملةَ من العقودِ والحدودِ وتمهيدِ الأصولِ، ومَيزْتها عن مسائل الخلافِ، رأيت أن أُشْفِعَها بذكر حدودِ الجَدَلِ، وعقودِه، وشروطِه، وآدابه، ولوازمِه؛ فإنه من أدواتِ الاجتهادِ، وأُؤخِّرَ مسائلَ الخلاف؛ فيه إَلحاقاً لكلِّ شيءٍ بشكلِه، وضَم كل شيءٍ إلى مثله، فجمعت بذلك بين قواعدِ هذين العلْمين -أصولِ الفقهِ والجدلِ- واخَرْتُ مسائلَ الخلافِ فيهما، فإن الأصولَ بالأصول أشْبهُ، وإليها أقربُ، والخلاف بالخلافِ أشبهُ، والله الموفَقُ لما فيه سهولةُ الحفظِ للمنتهي، وسرعةُ الفهمِ والتلقُّفِ للمبتدي، وهو حَسْبي، ونِعْمَ الوكيلُ.