وأهلِ الأصول والكلامِ، خِلافاً لما حكيٍ عن بعض أصحابِ الشافعيِّ: يجوزُ تقليدُهُ في ذلك، ولم يختلفوا في أنه ليسَ لَهُ أنْ يقلِّدَ في أصولِ الشَّريعةِ، كوجوبِ الصَّلواتِ، وأعدادِ الركعاتِ (?).
فصل
الدلالةُ على المنع مِنْ ذلك
إنَّ المأخوذَ على المكلَّفِ من هذهِ الأمورِ العلمُ، والمقلِّد لايحصلُ له العلمُ بصحَّةِ قولِ مَنْ قلدَ، بلْ يجوزُ عليهِ الخطأ، وركوبُ الهوى، لأجلِ ذلكَ [مَن] لم يُجِزْ تقليدَهُ في أصولِ الشَّريعةِ، فقدْ ناقضَ، لأنَّ المعرفةَ بوجوبِ الصَّلاةِ والصِّيامِ لاتصحُّ إلاً بعدَ المعرفةِ بصدقِ مَنْ جاءَ بها وبوجوبِها، فإنْ قلدَ في صدقِهِ، فقدْ قلدَ في وجوبِ جميع ما جاءَ بِهِ، وإنْ جازَ أنْ يعلمَ صدقَهَ بالتقليدِ، جازَ أن يعلَم أصولَ الشَّريعةِ بالتقليدِ.
فصل
في شبهةِ مَنْ خالفَ في ذلك
إنَّ الأصولَ أدلَّةٌ تدقُّ عَنْ فهمِ العوامِّ، فاحتاجوا إلى تقليدِ العلماءِ.
ومِنْ ذلكَ: أَنَّ تكليفَ العوامِّ استخراجَ الأدلة يقطعُهم عَنِ الأشغالِ والمعايشِ، وبهذِه العلة جوَّزْنا التقليدَ للعوامِّ في فروع الدينِ، فإنا لو كلفنا جميعَ العوامِّ الاجتهادَ، لكَلفْناهم التفقهَ، وذلك يقطعهم عَنْ عمارةِ الأرضِ، وملابسةِ المعايشِ والتجائرِ.