فصل
في الأجوبة عن شُبَههم
أما استثناؤه سبحانه الغاوين من العبادِ، فهو استثناء بعض الجملة التي لم ينصَّ فيها على عددٍ لا في المستثنى منه، ولا الاستثناءِ، وإنما تُعلَمُ الكثرةُ بالاستدلالِ، وذلك لا خلافَ فيه، إنّما الخلافُ في استثناء الأكثرِ من جملةٍ ذاتِ عددٍ (?) محصورٍ منطوقٍ به، ويُستثنى منها عَددٌ منصوص عليه، ويكون المستثنى أكثرَ من المستثنى منه.
ألا ترى أنَّه يحسُن أن يقول: خُذْ ما في هذا الكيس من الدراهم كلها إلا البيضَ، أو الزُّيوفَ. وتكونُ البيضُ أكثر ولا يحسُن أن يقولَ خذْ كل هذه الألف درهم التي في الكيس إلا تسع مئة وتسعة وتسعينَ فلا تأخذْها، فلمَّا صرَّحَ بالعددين. لم يحسنْ، ولمّا ذكرَ الاستثناءَ بالصفة من غير ذكرِ عددٍ حسُنَ.
على أنه يجوزُأن يكون [إلا] ها هنا، بمعنى لكن، وهو الاستثناء المنقطعُ، ويحتملُ أن يكونَ أنزلهم منزلةَ القليلِ لقلةِ منزلتِهم، وإن كانوا أكثرَ عدداً، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأقلون هم الأكثرون" (?). يريدُ: المنزلةَ، وهذا مستحسنٌ في لغةِ القومِ أن يقول القائلُ: جاءني بنو تميم إلا أوباشهم وسَفسافهم. وإن كانوا هم الأكثرين عدداً، لكن لما كانوا الأقلين منزلةً استثناهم، وهذا وقع في الخاطر.
وأمّا قولُه سبحانه: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} [المزمل: 2 - 3]، فعلى قول