- فصل في أدلتنا

فصل

في أدلّتنا

فمنها: أنَّ العرب إذا أطلقت الحكمَ في موضعٍ، وقيّدته في موضع، جعلت ذلك المطلَق مقيداً، يدلُّ عليه قوله تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]، وتقديره: والحافظاتِ فروجَهن، والذاكراتِ اللهَ كثيراً، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]، وتقديره: ونَقصٍ من الأنفس، ونقصٍ من الثمرات، وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]، وتقديره: عن اليمين قعيد، فأبداً دأبُ العرب ذلك، قال شاعرهم:

نَحنُ بما عندنا وأنتَ بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف (?)

وتقديره: نحن بما عندنا راضون. وقال الآخر

فما أدري إذا يمّمتُ أرضاً ... اريدُ الخيرَ أيهما يليني (?)

يريد: أريدُ الخير وأتوقى الشر.

فإن قيل: إنَّما حمل المطلقَ على المقيَّد ها هنا؛ لأنه لا يستقلُّ أحدُ الكلامين بنفسِه؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَالذَّاكِرَاتِ} لايفهم، وكذلكَ قوله: {عَنِ الْيَمِينِ} وقوله {وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، فأمَّا في مسألتِنا؛ فإنَّ قولَه في الظهار {فتحريرُ رَقَبة} [المجادلة: 3]، كلام مستقلّ بنفسه، وقوله في القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015