الضربُ الثاني: إذا كانَ الجنسُ مختلفاً، مثلُ صيامٍ وإطعام، صيام وصلاة، فإنَّه لا يُبنى المطلقُ على المقيَّد، سواءٌ كان السببُ واحداً، كالكفارةِ فيها صيامُ شهرينِ متتابعين، وإطعامٌ لم يقيد بالتوالي والتتابعِ، بل اطلقَ، أو كان مختلفاً، مثلُ الصيامِ قيِّدَ بالتتابعِ، والزكاة ذكرها مطلقةً، فإنه لا يُبنى المطلقُ على المقيَّد، قال أحمدُ: إذا وطىءَ في ليالي الكفارةِ يَستقبلُ الصومَ -أو قال: الصيام- وإذا وطىءَ في خلالِ الإطعامِ يبني (?).

والوجه في هذا [أنه] (?) إنَّما يُحملُ المطلقُ على المقيَّد إذا كان الحكمُ المختلَفُ فيه مختلِفاً في الموضعين، إلا أنَّه مطلقٌ في أحدِهما، مقيَّد في الآخرِ، وهذا معدومٌ في الجنسينِ، ولأنَّ المقيدَ مع المطلقِ، كالخاص مع العامّ، والمفسَّر مع المجملِ؛ لأنَّ التقييدَ فيه نوعُ إخراجٍ وتخصيصٍ، وهناكَ لا يقضي أحدُهما على الآخرِ إلا أن يكونَ أحدُهما من جنسِ الآخر كذلكَ ها هنا.

الضرب الثالث: أن يكونَ الحكمُ متَفقاً، والسببُ مختلفاً، لكن في موضعين مقيدين مختلفين، ويُطلق في الثالثِ، كالصيامِ قيد بالتتابعِ في الكفارةِ، فقال: {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92]، وقيد بالتفريق في التمتع، فقال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وأطلق في كفارة اليمين بقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]، وقالَ في قضاءِ رمضانَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، فلهذا الصومِ المطلق مثلانِ مقيَّدان مختلفانِ، فإنَّا نحملُ المطلقَ على إطلاقِه، ولا نَبني على واحدٍ منهما، لأنَّه ليس حملُه على أحدِهما بأولى من حملِه على الآخر, فإنَّما أوجبَ أصحابُنا التَتَابعَ في كفارةِ اليمين لأجلِ قراءة عبد الله بن مسعود (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015