مذهبُنا ومذهبُ مالكٍ (?)، وما ذاكَ إلا لأنهم عقَلوا من إضافتِه نفيَ الزنى وإثباتَ العفةِ لنفسِه وأمَّه إثباتَ الزنى في حقِّ مخاصِمه وحق أمه، فكيف يُدعى أنه علِى خلافِ اللغةِ، وأن قائلَه مكابرٌ؟
وهَب أنها وُضِعت للتمييز فلِمَ منعتُم أن يختضَ بذلكَ دونَ غيرِه؟ فليس ذلك مانعاً من أن يندرجَ فيها غيرُ التمييز من المخالفةِ بينها وبين غيرِها في الحكمِ الذي عُزيَ إليها وعُلِّقَ عليها.
ومنها: أن قالوا: لو كان للخطابِ دليلٌ لكانَ مستنبَطاً من اللفظِ، إذ ليس في نفسِ اللفظِ ولا عينِ النطقِ، وما كان مستنبطاً من النُطقِ لم يجز تخصيصه كالعللِ، وقد أجمعنا على تخصيصه، فكم من حكم عُلقَ على أحدِ وصفي الشيءِ، ولم يقتضِ نفيَ ذلكَ الحكمِ عما انتفى عنه ذلك الوصفُ، وبينوا ذلكَ في مواضعَ، كقوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31].
فيقالُ: ليسَ بمستنبطٍ، وإنما هو معلومٌ من اللفظِ والتقييدِ، وليس كل ما لم يكن مَنطوقاً بهِ يكون مستنبطاً، ألا ترى أنَ الفحوى عندنا وعندَ أصحابِ ابى حنيفة ليس بمستنبط، ولا هو منطوق به، وكذلك المقدرات مثل قوله: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63]، تقديره: فضربَه، فانفلق، وكُل مقدر ليس بمنطوقٍ به،