عن معتقدِهم، فكذَّبهم في دعواهم أنَّهم يُصَدِّقونه فيما جاءَ به، لأنَّ معنى قولِهم: نشهدُ، أي نعلمُ ونتحققُ إنَّكَ لرسولُ الله، فكذَّبَهم الله في قولِهم، لا في اعتقادِهم، لأنَّ قولَهم لما تضمنَ الإخبارَ عمَّا في نفوسِهم من التصديقِ كذبَهم الله في ذلك.
وأمَّا قولُ الشاعرِ: إنَّ الكلامَ مِن الفؤادِ، فصِدْقٌ، وإنَّه لا يتكلمُ مُتَكَلِّمٌ إلا بعدَ أن يُصَوِّرَ في نفسِه شيئاً يتكلمُ عنه، وانما كان حجةً أنْ لو قالَ: إن الكلامَ في الفؤادِ، ولم يقُلْ، ولو قالَ لكانَ مجازاً، مثل قولِ قائلهم: في نفسي بناءُ دارٍ، ونجارةُ بابٍ، وإدارةُ دولابٍ، وإنما يريدُ به في نفسي أن أبنيَ داراً، كذلك يكونُ قولُه: في نفسي كلامٌ، وإنَّ الكلامَ من الفؤادِ، تقديرُه: في نفسي أنّ أتكَلمَ، وهي القصودُ والعزومُ، وتصديرُ ما يُرادُ أن يظهرَ مِنَ الأعراضِ النَّفْسانية بالكلامِ، وقد أضافوا النُّطقَ إلى العينِ، فقال شاعرُهم:
تُخبرُني العَيْنَان مَا القلبُ كاتمٌ ... ولا خيرَ في الشَّحناءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ (?)
وقالَ الآخرُ:
فقالتْ له العينانِ: سمعاً وطَاعَةً (?).
ويقولونَ: في وجهِ فلانٍ كلامٌ. أي في وجههِ أمارةٌ أنَّه سيتكلمُ.
ومِن ذلك إضافتُهُم القتل إلى القَلَم، فقولُ القائل: ما قتلتُ فلاناً إلا بقلمٍ، حيثُ كانَ الكتابُ عاملاً ومُهيئاً لأسباب أوجبتِ القتلَ،